خرج على قومه في زينته بعد أن سولت له نفسه المتعجرفة وروحه المظلمة أنه لا إله إلا هو!
راح بعقول القوم وغدا ، وأشعل غيظا وأطفأ بهجة ، وعبث بالأفئدة كزلزال من شر ففارت منها براكين من بغضاء وغضب.
عفوا .. سأخبركم الحكاية من أولها ...
منذ زمن بعيد ... ثلاثون عاما أو يزيد ... مات حاكم وخلفه آخر ظن الناس أنه رشيد!
جال في البلاد طولا وعرضا ، وعزم على البناء ، ووعد بالرخاء والنماء ، وأفاض في الوعود ، وقيد نفسه بما لا يطيقه رجل من العهود وزين للناس الأمر فاستبشروا به خيرا واستعدوا ليدينوا له بالفضل !.
وكان الشعب على أحسن ما يطلب حاكم من محكومين ، طاعة وتقدير ، وحب وتبجيل ، صبر في الشدائد واقتصاد إذا رغد العيـ .... ، عفوا ، فذاك الشعب مذ خُلق لم يعرف سوى الشدائد فهو أبداً في صبر حتى يكاد يخيل لمخالطهم أنه لو أتتهم نعمة لحسبوها مصيبة أخلت بميزان حياتهم!.
مرت السنون والرجل لا يوفي بالعهد ولا يصدق الوعد ، فقال الناس إنا قوم كرماء فأمهلوا سيدكم ولا تثقلوا عليه وأعينوه يأتكم الخير من بين أيديكم وأرجلكم وما هو ببعيد!
ومرت سنون كتلك ، وحال القوم من سيء لأسوأ ، والحاكم لا يلتفت لشيء ولا لأحد ، يجوع من يجوع ، ويعرى من يعرى ، ويمرض من يمرض ، ويفسد ما يفسد ، وهو لا يفتأ يتحدث عن وعوده وعهوده ، ويصف للشعب الهناء الموعود ونعيم الخلود!.
وفي يوم من الأيام التي كان يجمع فيها الناس ليلقي عليهم حديث كل عام وكل يوم!، بدا من بين الجماهير فتى يُقال له ثائر ، طلب ثائر الحديث فسمح له حاشية الحاكم على توجس في قلوبهم لم يُخالط صدر الحاكم يوما !
قال ثائر : ياسيدي إنك كنت قد وعدتنا .... ولم يكد يكمل العبارة حتى أظلم الكون من حوله وسُدت عنه منافذ الشمس بأجساد غليظة ليست لبشر وصدر صوت غريب من أحدها قائلا : لا تقل لمولاك إلا رعاك الله حفظك الله أيدك الله . ودفعته آلة غليظة – تشبه يد البشر – إلى مقعده فأجلسته، فلم يكن من الحاكم إلا أن لوح بيده وعلى وجهه ابتسامة زهو بالغ !.
مرت سنون أخرى ، لكنها لم تكن كاللواتي سبقنها ، فكلما زاد عمر ثائر عاما جديدا ، خرج على القوم ينادي فيهم أن أفيقوا إنكم قوم تُستعبدون ، وكان الناس في كل مرة يعرضون ويتولون وهم غافلون ، ولم ينل ثائر من صيحاته تلك إلا ألوان العذاب وفنونه!.
كان شيء آخر يحدث في تلك السنوات الأخيرة ، شيء لم يره أحد ولم يشعر به أحد ، حتى أنه لم يخالط أحد في منامه حتى ثائر نفسه! ، شيء ما كان يتقلب على جمر في القلوب ، شيء من الغضب والنقمة يحاول التسلل بجهد وصعوبة بين صخر الخنوع والذل الراقد على جثث الكرامة البشرية داخل كل إنسان من هذا الشعب!.
أتم ثائر 25 عاما ، وخرج على قومه يصرخ فيهم كما كان يفعل كل عام ، لكن صراخه هذه المرة اختلف ، هو نفسه أحس بهذا لكنه لم يدر لذلك سببا ، كانت زبانية الحاكم تتجه صوبه ككل مرة لكنه شعر أنهم أصغر بكثير وأضعف بكثير من كل مرة فكان صوته يعلو ويعلو كلما اقتربوا حتى عجب الناس وبدأوا يلتفتون وينظرون ، أمسكت زبانية الحاكم بثائر وهو لا يزال يصرخ حاولوا إسكاته بالضرب لكن ألمه كان يزيد الصراخ بلاغة !
حاولوا وحاولوا حتى ضج أحدهم فاستدار في همجية ليغرس فوهة البندقية في حلقه ، اخترقت البندقية حلق ثائر ، وكسرت رقبته وسالت دماؤه ، لكن صوته أيضا اخترق صمم الآذان وكسر حاجز الغفلة والخوف وأسال براكين الغضب ، ثار الشعب من أجل ثائر وخلعوا ذلك الطاغوت وبدءوا في إعمار الوطن ، الذين شعروا لأول مرة أنه وطن!.
الشعب يريد محاكمة السفاح
وبعد صمت طويل
خرج السفاح على قومه في زينته ......................الخ
فليحاول ....
وإن حال بين الشعب والحق بحيلته على قانون الأرض
فإن في السماء إله .... يمهل ولا يُهمل.