من أين أبدأ إذا الكلام عن آخر ليس قبله أول
وإلى ما أنتهي إن كان حديثي عن أول ليس بعده آخر
ومن أين أجيء بالكلمات وبِمَ وعلى ما أسطر خاطري
وإن كنت لا أعلم حقيقة ما بي على وجه التحديد هل يحق لي أن أصفه ؟
وإن كنت لا أستطيع وصولا إلى وصف صحيح هل يحق لي أن أحاول ؟
وإن كانت كل المحاولات لا محالة فاشلة فهل يحق لي أن أفكر فيها؟
وإن كان الفكر به وحده مشغولا فكيف له أن يرحل عنه حتى إلى حديث عنه
!!!!!
ذابت فيه نفسي إذ ذابت في روحي التي سقانيها من فضله
فصارت كلتاهما تصرخ في الموت أن هُيئت لك .. أما آن أن تأتي
!!
فالأولى تصرخ من حرقة العذاب بالحرمان من لذاتها انسياقا لأختها
والثانية تصرخ من حرقة العذاب بالحرمان من لذة قربه شوقا لهنائها
هذه تصرخ تحاول جمع الجسد ، وتلك تصرخ فتنثره هباء
فوالله إن لصراخ الأولى لألما ، وإن لصراخ الثانية للذة
وعلى الرغم من الألم الأول فإنه مُخَامرٌ بلذة استشعار رضاه
فالمنتهى .. أن كلا الصراخين لذة
!!
***
تفطرت أياما وليالي متحسرة على حالي .. ولا زلت أتفطر
ليست الحسرة على متاع الفانية ، إنما حسرة على متاع الباقية
!!
وقد يعجب مطلع على الحديث فيقول : وكيف الحسرة على الباقية
ولا زلتِ في الفانية لا تعملين من أمر ما تتحسرين عليه شيئا؟
فأقول : أنها حسرة خائفة مترقبة ، حسرة روح ترى مأواها ومسكنها بجوار الحبيب
يتراءى لها في كل لحظة ونظرة ، في كل شهقة وزفرة
يرافق هذا الترائي تخاذل -غاصب- عن السعي إلى بلوغ ما تراءى
ويقول آخرون ممن اطلعوا الحال لا المقال : الهوينة الهوينة
ولسنا نزكيكِ ولكن نطمئنكِ ونسليكِ
فما حالكِ على هذا القدر من الضياع ، وما فعلكِ بالغ هذا المبلغ من التضييع
فأرد وأقول : وما أدراكم أن الظاهر مقبول باطنه؟
وما الباطن -رغم كونه داخلي- إلا غيب لا يُعلم إلا عند تطاير الصحف
فوا حسرتاه إن مدت الشمال ، ووا حسرتاه إن تساقطت الوجنات عند السؤال
ووا مصيبتاه إن كان إلى النار المآل
***
أقرأ حديث ابن القيم قائلا
(خُلقت النار لإذابة القلوب القاسية)
فلست أدري أيهم بادئي .. شقاء أم سعد
فأنا في هذه الكلمة بينهما أتأرجح
.
.
فشقائي خوفي ووجلي ، وسعدي رجائي وأملي
شقائي الروع من تجمد هذا الذي يسكن الأضلع
أن يُطمس عليه بضياعه وتضييعه
أن يفسد فيفسد دمه فشرايينه فعقله ففكره فحاله فدنياه فآخرته
وسعدي أني ما قرأتها إلا وارتج واهتز وتزلزل
حتى كاد يحطم الأضلاع تحطيما
فيصلح فيصلح دمه فشرايينه فعقله ففكره فحاله فدنياه فآخرته
!!
وما علامة الشقاء الأول إلا غفلة تخالط أنفاسي
فهي لها شوائب خانقة
وما علامة السعد الثاني إلا حرارة تخالط أدمعي
فهي أداة تنبيه فائقة
***
ولا أزال ولن أزال في حيرة بين كل أمرين
أتأرجح بين كل ضدين ، وأروح وأجيء بين كل نقيضين
وأفرض وأنسخ كل ما تقابل من فكرين
حتى أبلغ منتهى المطالب
.
.
لذة النظر لوجهه الكريم
.
.
فيارب إلى ذاك أعِن