الاثنين، أبريل 12، 2010

سـَبـْحـة عِشــقــ !

كان لابد من أن ألتقيه بمكانٍ آخر
فقد تركنا ذلك المنزل الذي كانت تقطنه شجيرات الورد حيث كنا نلتقي
ورحلنا إلى منزل يقطن في ازدحام المدينة الزائفِ الألقْ!
فتحت باب الشرفة أحاول أن أتنسم بعض الهواء
لكنني لم أحصل سوى على خليط أصوات لا يجمعها إلا أنها مزعجة
و مشاهد لا تسبب سوى العناء البصري
نفثت زفيرا متملّلا من صدري الذي يبدأ قصة اختناق لم تكن بالحسبان
وفكرت في أنه لن يأتِ إلى مكان كهذا وهو الذي لا يتنفس إلا الجمال
فأضيفت إلى قصة اختناق صدري فصول جديدة من الحسرة واليأس!
توجهت إلى غرفتي الجديدة ،كانت أفضل من الأولى في كل شيء سوى أنها جامدة لا تحمل أي روح
وهاكَ فصل آخر من إحباط
فقررت أن أنهي هذه القصة الكئيبة وأخلد إلى النوم.
أغمضتُ عيني و ارتميتُ إلى سريري بتهالكْ
لكنني بدلاً من الشعور بارتطام الوسادة بوجهي لم ألامس شيئاً!
فتحتُ عينيْ لكن الظلام لم يتغير أبداً
أشعر أنني أسقط في هوة سحيقة لا نهاية لها...لا أرض .. لا ضوء .. لا شيء
وبعد دقيقة من السقوط مرت كأنها عام بحسابات الفزع
ارتطمت أخيراً بشيء، لم يكن ارتطاماً بقدر ما كان تلقفاً لطيفاً
لكنه لم يفلح في إذهاب فزعي الذي نفضني لأتبين محيطي الجديد والغريب
كان شيئاً كغرفة كبيرة ... كبيرة جداً
سقفها من سماء سوداء مزينة بنجوم لؤلؤية ، مشهد من صفاءٍ ساحر أخذ بقلبي
فبعث في هدوءاً مكنني من استبصار ما تبقى بنفس أكثر اطمئناناً.
كان هناك جدار واحد فقط ، يقع خلفي ، يستند إليه ذلك الفراش الوثير الذي تلقفني ،
كان الجدار رمادياً تظهر فيه فواصل الحجر ،
عُلّقت إليهِ مصابيح صغيرة تتدلى عليه ككرات من ضوءٍ أبيضٍ هادئ ،
أنارت بقعة حول الفراش لتترك بقية المكان ينعم في ظلمة ساكنة ، غامضة.
أما الفراش فقد غطته ملاءة حريرية حمراء ، بعثت حمرتها فيّ دفئاً لم أكن أجده سوى بأحلامي،
وإلى جانبي الأيمن كانت طاولة صغيرة من ذهب تحمل تحية لي في كأسٍ زجاجي بديعِ الصنعة
يحوي شراباً أحمراً احتفلت حوله وريقات ورد مُندّاة.
عقلي متوقف للحظات عن العمل ، ولا أدري ربما يتوقف لساعات وساعات،
وفي محاولة منه أن يعمل ألقى إليّ تساؤلاً بسيطاً (ما هذا!).
ورغم أنني لم أنطق حرفاً ولم أصدر صوتاً أو حتى أحاول النهوض منذ أُلقيتُ هنا
إلا أنه بدا لي وكأن أحدهم سمع تساؤلي ذاك!
خطوات بطيئة ، واثقة ، تقترب
تعلقت عيناي بمصدر الصوت في ترقب بين الدهشة والخوف
حتى خطا صاحب الخطوات داخل بقعة الضوء التي تحيطني والفراش
وفغرتُ فاهي دهشة وكاد قلبي يتوقف ولا أدري أَمِن العجب أم من الفرح!
إنه هـو ... هــو
هممت أن أقوم فألقي بنفسي إليه لكنه استوقفني بهدوء: (شششش... مكانك)
لم أتوقع ردة الفعل الباردة تلك..
وصرختُ في نفسي "ياهذا إني ملقاة من السماء إلى هذه الحجرة العجيبة في هذه الساعة التي لا أعرفها وتقول لي (شششش)!!!!"
لم يدع لي مجالاً لأبوح بما في نفسي
فأفكاري لم تكد تنتهِ حتى وجدته واقفاً إلى جواري ،
مرر يده على رأسي وأدارها بانسيابية كأنما يرسم وجهي حتى ارتكز بإصبعهِ أسفل ذقني ورفع وجهي إليه
وقال بابتسامة ساحرة: أحبك!
يكاد رأسي يدور
أقسم وربي إنه لساحر
سألته ببراءة طفل مشدوه: من أنتْ؟!
ضحك ضحكة تناثرت في أرجاء المكان مرحاً
- ألا تعرفينني؟!
- أشك أنه أنتْ
- من؟
خفضتُ رأسي بين خجل وتلعثم
فأعاد : من؟
- حبيبي
أغلق عينيه والتف حول نفسه في انتشاء قائلاً : الله ! ما أجملها
شعرت أن جسدي كله كتلة خجل ملتهبة ، فحاولت أن أنهي موقفي العصيب هذا بسؤال
- أين نحن ؟ وما هذا ؟وماذا يحدث أنا لا أفهم شيئاً
اندفعت تساؤلاتي تلك بشكل هستيري دفعه للابتسام برفق قائلا وهو يجلس إلى جواري في محاولة ليشعرني بالاطمئنان:
- أنتِ هنا - وأشار إلى صدره- وأكمل : في قلبي
- أنا لا أمزح الآن ، ألا تشعر بما فيّ من دهشة أجبني أرجوك
- أنا لا أمزح يا حبيبتي أنتِ بقلبي حقاً
- أعلم أني بقلبك ، لكنني أسأل عن مكاننا الفعلي هذا هذا .. وأخذت أشير إلى الأشياء من حولي
فضحك مرة أخرى وقال:- هذا أيضاً بقلبي
صرخت دون إرادة مني وأنا أمسكُ رأسي
- ما هذا الجنوووون أريد إجابة واضحة ، أريد إجابة
ربت على ظهري في حنان محاولاً تهدئتي :- اهدأي يا عزيزتي، اهدأي أرجوكِ
هذا قلبي حقاً ، فكرتُ فقط في أن آخذكِ إليه في زيارة ، لآنسَ بكِ وتأنسين بي
نظرتُ إليه لدقيقة دون تعبير، ثم انفجرت ضاحكة
- ما هذا الذي تقول ، هل يُعقلُ هذا؟ ، لابد أن هذا حلم ، هذا ليس حقيقياً أليس كذلك؟
- سميهِ ما شئتِ ، المهم أنني هنا ....
سكت قليلا ثم أردف...
- لقد وعدتكِ أن أفوق كل خيالاتِك أليس كذلك!
ثم قام بسرعة كمن تذكر شيئاً ، وأحضر ذلك الكأس وجثا أمامي ماداً يده بالكأس في طريقة تمثيلية
قائلا: تفضلي يا أميرتي
التقطتُ الكأس وقد بدأتُ أمارس دور الأميرة فعلا قائلة:- وما ذاكَ يا سيد قلبي؟
- ذاكَ شراب من عشقي ، تناوليه ، لعله يسري في دمائكِ ينبؤكِ نبضي!
وضعت الكأس جانباً ونظرت له أبحث عن حديثِ عينيه
فوجدتُ بحرا من قصيدٍ ونغم
ألقيت بظهري إلى الفراش رافعة ذراعي ، ونظرت إلى تلك السماء الرائعة، وأخذت شهيقاً عميقاً:
- أواه كم هو جميل قلبكَ يا حبيبي
- ما جمال القصر إلا بجمال ساكنيهِ يا أميرتي
تابعت حديثي وأنا ما زلت أنظر إلى الأعلى
- لماذا لم تأتِ بي إلى هنا قبلاً؟
نظر إلى الأعلى كمن يدّعي التفكير ثم قال: ألم تتمني قبل السقوط إلى هنا لو أنكِ بقلبي حتى لا تتركينني؟
- بلى فعلت
- حسن إذا ، أود أن أذكركَ بأنها المرة الأولى التي يتمنى قلبكِ فيها هذه الأمنية ، وها قد حققتها لكِ فوراً
اعتدلت في وضع الاتكاء ونظرت إليه في امتنان
ثم شردت ببصري أعبث بملاءة الفراش وتساءلت في نبرة من رجاء
- ألا يمكنني أن أمكث هنا طوال الوقت ، لا أريد أن أعود إلى تلك الحياة المزدحمة التي تبعدكَ عني
لم أسمع رداً منه فرفعت بصري إليه أستجلب منه جواباً
لكنني بدلاً من أن أجد عينيه وجدت لا شيء!
انتفضت واقفة أدور حول نفسي لا أصدق، أين ذهب ، أين اختفى!
لم أشعر إلا ورأسي يدور ويدور ... يدووووووووور
وسقطت!
- جهاد ، جهاد .... هيا استيقظي يا عزيزتي ، زوجك يتصل ، هيا لا تتركيه ينتظر طويلا
أفقت فزعة : ها ... ماذا ... تخبطت يداي حتى وجدت هاتفي النقال فأتاني صوته من بعيد
(اشتقتُ إليكِ)