الخميس، يوليو 23، 2009

صلاة الذكريات


أطلّت من النافذة على تلك التلّة البعيدة تراقب شروق الشمس ، منظر تشهده كل صباح كأنها المرة الأولى التي تعانق فيها عيناها لون الضوء. أغلقت عينيها لبرهة قصيرة وتنفست شهيقاً عميقاً ثم أفلتته من رئتيها بهدوء يرسم أمارات الراحة على وجهها الوضّاء، وتفتحت أجفانها عن مقلتين تحاولان عبثاً الظهور خلف ستار مترقرق. وبحنان غريب ارتسمت على شفتيها ابتسامة رضا ، أضفت على مظهر الدمع غموضاً أليفاً يحكي مشاعراً غير مُفسّرة.
أحسّت فجأة بكفين دافئتين تلفان كتفيها ، فسرت في جسدها قشعريرة نفض بها جسدها برد الخوف عنها.
ثم جاءها ذلك الصوت الحنون:
- صباح الخير يا ربيع القلب
أجابت في نفسها " أوّاااه كم أعشق رنـة صوتك في قلبي"
وأجابت بصوتها دون أن تلتفت :
- صباح الدفء يا حيـاة الروح
- ألـن نُـفطر اليوم؟!
أطلقت نحو الأفق ابتسامة رقيقة قائلة:
- ألـن تغير هذا السؤال يوماً؟!
ضحك بمرح:
- حتى تغيري طقسكِ المقدس هذا
وسكت لحظة ثم استرسل:
- بت أشعر أن لكِ عند هذه النافذة صلاة مقدسة كل صباح ، فلم يعد يخالجني شكّ في أن أفتح عيني يوما ولا أراكِ واقفة هنا
التفتت إليه أخيرا تحمل إليه ابتسامة كالشفاء للعليل:
- هي كذلك صلاة مقدسة
ضحك مُداعباً :
- ماذا لا تؤدين صلاتكِ هذه عند نافذة غرفتك؟! هل يجب عليّ أن أستيقظ كل صباح لأرى ظهرك!!
رمقته بنظرة طفلة تتعمد إغاظة أحدهم وقالت:
- أنا أفعل ما يحلو لي وقتما يحلو لي أينما يحلو لي ، وحركت طرف لسانها خارجا في حركة طفولية
- ألم تتعلمي في المدرسة أيتها الصغيرة سوى كلمة "يحلو لي" ، وضحك بسخرية مصطنعة لاستفزازها
ويبدو أنه نجح في إغاظتها فعلا ، فاتجهت نحو السرير وأخذت توجه إليه قذائفاً من الوسادات. هرول نحوها وهو يتفادى قذائفها بيديه ، حتى أمسك بيديها ليمنعها من الاستمرار ثم ألقاها بلطفٍ إلى السرير وهو لا يزال ممسكا بمعصميها ويصرخ فيها بشكل تمثيلي وهو يضحك :
- ألن تتوقفي عن شقاوتكِ هذه أبدا! ، قولي أنا آسفة ياسيدي
ضحكت في تحدٍّ وقالت بمكر:
- لست آسفة يا حبيبي
أخذا يتبادلان المشاكسات ويضحكان طويلا ، حتى أفلت يدها وارتمى إلى جانبها كأنما أُنهك . تأملا سقف الغرفة في صمت كأنما يشاهدان شيئاً استرعى انتباههما حتى قطع ذلك الشرود بصوت جاد قائلاً:
- لماذا تفعلين هذا؟!
رفعت رأسها عن السرير ونظرت إليه بتعجب:
- أفعل ماذا؟!
أجابها وهو مازال ينظر إلى الأعلى:
- لماذا تقفين هنا كل صباح وتذرفين تلك الدمعات ، وترسلين هذه الابتسامة؟!!
أراحت رأسها ثانية وشردت ببصرها إلى الأعلى:
- أخبرتك أنها صلاة
- أنا لا أمزح الآن
- وأنا أيضاً لست أمزح ، أصلي لربي شكرا
- علامَ ؟!
- عليك
التفت إليها بحنان:
- ولماذا تفعلين هذا هنا ، في غرفتي ؟
- لأنني أفعل هذا مذ كنت صغيرا ، هنا ، في غرفتك
سكتت قليلا ثم أردفت :
- كنت آتي هنا كل صباح ، أشهد أشعة الشمس وهي تشرق على كفك الرقيق ، ككف ملاك صغير ، وأرسل دمعات شكري إلى الله ، وأرسل إليك ابتسامات رضاي ، حتى يأتي والدك لينتزعني من شرودي سائلا عن الفطور . ونظرت إليه وضحكت
ثم تابعت بابتسامة شابها بعض الألم:
- أنت تشبهه كثيرا ، رحمه الله
فقام إليها وقبل رأسها وكفيها وهمس لها في رقة :
- لا حرمني الله إياكِ يا أمي.

هناك 18 تعليقًا:

جمعاوى يقول...

جزاكم الله خيرا

فعلا مشوقة ..


مع إنها أخدتنى فى مسلك آخر غير ما إنتهت به

..



دمتم مبدعين

مشروع انسان يقول...

انا برضه خدتنى لنفس المسلك ده
:)

ما شاء الله

يا فندم قلنا من قبل ان التدوين يفتقد مثل هذه الكتابات الرقيقة
فلا تحرمينا منها

dr_coval يقول...

هى اخدتنى لنفس المسلك بردو ^_^
بس انا كنت متوقعه المسلك ده بردو

كلماتك مثل قطرات الندي عندما تداعب اوراق الاشجار

دمتى صامدة

مـــالك يقول...

جميلة جدا ورائعه
بحق أنت مبدعه
دمتي بخير

آلاء محى يقول...

ماشاء الله على الابداع

ربنا يبارك فيكى ياحبيبتى

قصة رائعة ونموذج رائع

بوركتى حبيبتى

ودمتى مبدعة

Aml Ghonaim يقول...

أنا قلت في نفسي : آدي آخرة العقد في سن مبكرة .... هههههه !!!
وبعد ذلك أخذت بما انتهت به ...
دائما يقولون أن هناك علاقة ما تربط بين الأدب والطب !
تمتعت كثيرا بقراءتك ...
ولن أكتفي بهذا ...
نريد المزيد ...

سيد حمدى يقول...

ربنا يعزك يادكتورة جهاد اختيار للكلمات والجمل فى غاية التوفيق والابداع ومااجمل تشبيهاتك
بس المشكلة فى القصة حول تبعاتها حيث اصيب طاقم التحرير عندى بالصرع!!

سيد حمدى يقول...

هل الكتابة الا احاديث سائرة يحادث بها الشاعر او الكاتب الناس ليفضى اليهم بخواطر افكاره وسوانح ارائهم وخلجات نفوسهم؟

وفاء~ يقول...

انابرضو رحت لمسلك تانى بس حصل خير
المهم ان فى ابتسامة ارتسمت على وجهى وتأبى الرحيل لأن الكلمات جاءت خفيفة كالعليل ربنا يكرمك ويفتح عليكى

عايز أتعلم يقول...

الله على المقالات اللي لازم تتقري كلها علشان نفهم المعني الصحيح ليها .. مش المعني اللي يتفهم من بعيد
الحمد لله انني توصلت الي المسلك الصحيح ..هههه
دمتي بخير

محمد خالد الديب يقول...

السلام عليكم طبتم
جميل ان نرى في عصرنا هذا ادبا بهذا القدر من العفة وخارج دائرة الشهوات يحكي لنا ويمنينا بعلاقات انسانية اساسها رضا الرحمن جل وعلا وكمالها بكمال الراضي عنها سبحانه وتعالى ووالله لقد تمنيت ان اكون هذا الشاب في قصتك لولا ان ختمتيها بخاتمة من خاتماتك المعهودة التراجيدية يا اختنا وتتركي لي سؤالا محيرا هو لماذا كل قصة لصمود اجد فيها هذه التراجيديا والدراما التي بكل صدق استمتع بها ؟ولكن اخشى ان تكون التراجيديا لازمتك يا اختاه.
فكيها شوية الله يخليكي انا مش ناقص دراما.
قصة رائعة وابداع متوقع منكي اختاه واتمنى لكي رقيا في الادب وسموا في البيان وعلوا في الفكر دائما حتى تصلي الى رضا الرحمن.
سلامنا للدكتور انس

الأمير يقول...

روعتها انها انتهت بخلاف ما ذهبت اليه عقولنا
وان كنت ارى ان من الغريب ان يفعل هذا مع امه
اقصد .. ان تقذفه بالوسائد فيتفاداها ... الخ

عموما روعه والله
يكفى فقط ما بها من كلمات وتصويرات رائعه

حفظكم الله

نور جديد يقول...

سلام عليكم
ازيك يا صمود هانم
وحشاني و الله
ووحشتني مدونتك
وواضح ان التدوينة خدتنا كلنا لنفس المسلك
ههههههههههههه
بس عادي بقى اكيد العيب مش فينا احنا دماغنا اكبر من كده احم احم
تدوينة هايلة ما شاء الله
انا عموما بنبهر بالحاجات الادبية دي
بحبها جدا لاني نفسي اعرف اكتب كده
ما شاء الله
صحيح
كل سنة و انتي طيبة يا ست الكل
رمضان كريم

انا مش معاهم يقول...

جميله جدا

Unknown يقول...

تحياتي على تلك المدونة
ونرجو الاستمرار والمتابعة حتى تعم الفائدة

ويبقى التواصل

صحوة الطلبة يقول...

تدوينة جميلة وللأمام وربنا يفقكم

بنات مرام يقول...

هكذا تعودنا منكِ
جمال الكتابة

دمتِ مبدهعة

متابعين

جهاد خالد يقول...

للجميع

شكرا أن كنتمـ هنـا

:)